المؤتمر الدولی لمعهد التخطیط القومی التغیرات المُناخیة والتنمیة المستدامة

((( مقدمــــة )))

تعتبر ظاهرة تغیر المُناخ Climate Change، من أخطر الظواهر  العالمیة، وقد صنفها تقریر مؤشر المخاطر العالمیة GRI لعام 2021  ضمن أبرز المخاطر التی تهدد العالمورغم تنبه العالم مبکراً لخطورة تداعیات ظاهرة تغیر المُناخ على أحوال التنمیة المستدامة فی دول العالم المختلفة إلا أن الواقع الراهن عام 2021 یشیر بوضوح إلى تفاقم ولیس تراجع هذه الظاهرة وتداعیاتها السلبیة على أوضاع التنمیة المستدامة فی دول العالم.

فقد سبق وأن أطلقت الأمم المتحدة الاتفاقیة الإطاریة بشأن تغیر المُناخ UNFCCC بتوقیع 191 دولة  والتی وقعت علیها مصر عام 1992 لیبدأ نفاذها عام 1994، وأردفتها الأمم المتحدة بملحق بروتوکول کیوتو  عام 1997 ووقعت علیه مصر عام 1999، ودخل حیز التنفیذ عام 2004. کما رعت الأمم المتحدة  اتفاق باریس للمناخ عام 2015، والذى بدأ تنفیذه عام 2016 وصدقت علیه مصر  بمقر الأمم المتحدة ضمن  171 دولة فی أبریل من نفس العاموتضمن الاتفاق  التزامات محددة لتخفیض انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى ومساعدة الدول المتقدمة للدول النامیة  تمویلیاً وفنیاً فی الحد من تداعیات تغیر المُناخ وتعزیز کفاءة العمل المناخی

کما توجت الجهود الأممیة فی هذا الخصوص بإدراج تغیر المُناخ ضمن أهداف التنمیة المستدامة العالمیة SDGs  حیث یرکز الهدف رقم 13 على التصدی العاجل لتغیر المُناخ وآثاره، مع التأکید على تنفیذ دول العالم لالتزامات الاتفاقیة الإطاریة الأممیة وغیرها بشأن تغیر المُناخ من جهة، وتکریس إدماج خطط وطنیة لتغیر المُناخ والحد من الکوارث فی استراتیجیات التنمیة المستدامة الوطنیة لدول العالم المختلفة من جهة أخرى

ورغم الجهود الدولیة الحثیثة المشار إلیها فإن واقع الحال فی عام 2021 یشیر إلى تحدیات ضخمة حیث یؤکد تقریر المنظمة العالمیة للأرصاد الجویةWMO  فی أبریل عام 2021  حول تغیر المُناخ إلى أن عام 2020 بجانب عامی2016 و2019 هی أکثر الأعوام احتراراً  فی تاریخ العالم بما یشیر لتحدیات وعثرات کبیرة تواجه خطط تغیر المُناخ العالمیة والوطنیة على حد سواءوقد ناشد أمین عام الأمم المتحدة تعلیقاً على التقریر المذکور  دول العالم المختلفة بأن تجعل عام 2021 هو عام التصدی لمواجهة مخاطر تغیر المُناخ وآثارها الفادحة على التنمیة المستدامة فی کل أنحاء العالم خاصة فی الدول النامیةوقد أکدت القمة العالمیة الافتراضیة حول تغیر المُناخ فی أبریل 2021 بمشارکة أکثر من 40 دولة على هذه التحدیات، وتأکیدها على المسارات الخضراء والطاقة النظیفة لدعم  الاستدامة، ومسئولیة الدول الصناعیة فی تخفیض الانبعاثات.

وتؤکد هذه الفعالیات جمیعها على أن الخروج من أسر الاحترار العالمی لن یکون سوى من خلال تعمیق خطوات التحول إلى مجتمعات واقتصادات خضراء أقل کربوناً ، وهو التحول الذى یحتاج إلى استثمارات تقدرها الأمم المتحدة بحوالى 90 تریلیون دولار حتى عام 2030. ویشمل هذا التحول تطویر محطات الطاقة النظیفة والمتجددة خاصة الشمسیة والریاح، إغلاق بعض مناجم الفحم، ودعم الأنشطة الزراعیة والصناعیة المتکیفة مناخیاً، والمدن الذکیة والمبانی الخضراء، وتطویر تکنولوجیا تخزین الطاقة (بطاریات اللیثیوم – أنظمة التخزین الکهروضوئیة، والسندات الخضراء  والتمویل الأخضر المساند للنمو الأخضر، ونوعیات جدیدة من الوظائف الخضراء.

وتنسحب هذه التحدیات العالمیة على المستوى الإقلیمی، حیث تواجه المنطقة العربیة تحدیات حقیقیة لتحقیق التنمیة المستدامة نتیجة شُح الموارد المائیة المتجددة فی ظل الزیادة المستمرة لعدد السکان وتحدیات توفیر الأمن الغذائیکما تشیر الدراسات العالمیة لمعدلات نضوب سریعة فی موارد المیاه الجوفیة نتیجة الضغط على الموارد المحدودة المتاحة منها حیث یتوقع أن تنضب خلال حوالى 30 عاماً، بما لذلک من تأثیر سلبى کبیر على التنمیة الاقتصادیة والاجتماعیة والبیئیة العربیة، حیث یتوقع انخفاض الإنتاج الزراعی فی بعض البلدان العربیة بنسبة قد تصل إلى 60%، مع تفاقم البطالة فی القوى العاملة الزراعیة والتی قد تصل إلى 30% من إجمالی القوى العاملة فی بعض البلدان الزراعیة فی المنطقة العربیة.

وتشارک مصر  بفعالیة فی الجهود العربیة المعنیة بتغیر المُناخ  خاصة مع تأسیس المرکز العربی لدراسات تغیر المُناخ ACCCP عام 2018،  کما تشارک فی الجهود الأفریقیة فی هذا الشأن خاصة وأن القارة الأفریقیة تظل المتضرر الأکبر من تداعیات تغیر المُناخ فی العالم رغم التواضع الشدید لحجم انبعاثاتها من غازات الاحتباس الحرارى کنسبة من حجم الانبعاثات العالمیة.

وکما أوضحت الوقائع السابقة، فإن مصر کانت شریکاً فاعلاً فی کافة الخطوات العالمیة المعنیة بقضیة تغیر المُناخ، وقد صاحب هذه المشارکات العالمیة جهوداً موازیة للتعامل مع قضیة تغیر المُناخ على المستوى الوطنیفقد تبنت استراتیجیة التنمیة المستدامة رؤیة مصر 2030 وتحدیثاتها توجهات لمکافحة التغیرات المُناخیة ومواجهة الآثار المترتبة علیها وتعزیز قدرة الأنظمة البیئیة على التکیف ومواجهة المخاطر والکوارث الطبیعیةکما تبنى برنامج عمل الحکومة 18 / 2019-21 / 2022 برنامجاً رئیسیًا للتحسین البیئی، بخلاف برامج داعمة فی مجالات أخرى مثل الطاقة والصناعة والزراعة والموارد المائیةوفی ذات السیاق تم إعادة هیکلة المجلس الوطنی للتغیرات المُناخیة، بجانب العمل على إعداد استراتیجیة للتغیرات المُناخیة حتى عام 2050، مع بلورة حوافز تمویلیة للمشروعات الخضراء التی تراعى تغیر المُناخ ، ومبادرات وطنیة أخرى متعددة وکما هو الحال على الصعیدین العالمی والإقلیمی، فإن قضیة تغیر المُناخ تواجه أیضاً العدید من التحدیات على المستوى الوطنی، ومن هنا تأتى أهمیة هذا المؤتمر.